السبت، 22 نوفمبر 2008

وداع لا يليق بأمي / إلى أمي في ذكراها التي ما تزال موجعة

اللحظات كما هي يا أم
موجعة ومؤلمة
كأن لم تمر ثمان سنوات
كأن لم أحمل ماء غسلك إلا أمس
روايتي الثانية عشق البنات ستصدر خلال يوم أو يومين
كتبت لك الإداء
هل تعرفين كيف كان الإهداء ؟!
إلى صباح محمد مرسي
التي تنام في مقبرة بلا اسم
فقط مخصصة للنساء
خصصت روايتي يا أم للنساء
كما خصصوا لكن مقبرة جماعية بلا اسم
فقط مخصصة للنساء
ذكراك يا أم تلح علي
تأتيني حية وموجعة
أخوتي وبنات عمي ينزلن المندبة
يلطمن خدودهن
وأنا واقفة أرقبهن في صمت
كنت أقوى يا أم من كل تصور في ذهني
ولكنني حين عدت لمنزلي وانفردت بوحدتي بكيت وتألمت
وظللت أبكي لحظات مرت كان من الممكن أن أشيعك كما يليق بك
لماذا وقفت قوية صلبة وأنت تنسربين مني
لماذا لم أصرخ صرخة تشق الفضاء
تعبر عن وحشتي التي لا بد قادمة وأنت بعيدا عني ؟
لماذا أبدو قوية جدا وصلبة وفي الحقيقة أنا أتمزق ألما يا أم
أكره في نفسي تلك الصورة المصنوعة دائما
لماذا أحرص على أن يراني الناس قوية وأنا ضعيفة جدا يا أم
النساء اللاتي كن يشيعنك يتصعبن
ويقلن يا عيني السكينة سرقاها
أي سكين ذبحتني يا أم ولم أنتبه أن هذه هي آخر مرة اراك فيها !
أي سكين ذبحتني يا أم ولم أنتبه أنني غسلتك وكفنتك بيدي دون قطرة دمع واحدة
يا لقسوة قلبي الجاحد يا أم وأنا صلبة هكذا ومنتبة وأقرأ لك القرآن وألقنك الشهادتين
أقايض عمري يا أم بلحظات أرقد فيها على حجرك كما الأيام الفائتة .
ك

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008

السلحفاة والفراشة / نص مشترك بيني وبين صفاء عبد المنعم

السلحفاة والفراشة
إلي صفاء عبد المنعم ( السلحفاة ) وإلي روح مجدي الجابري ( أبو منجل ) وسيد الوكيل ( الجعل المقدس ) وهويدا صالح ( الفراشة )
السلحفاة والفراشة الخفة والبطء / الثقل والحركة ...
أحرقت البنت المجروحة بالصمت علبة سجائر ميريت كاملة علي ريق النوم ...

البنت السلحفاة الثقيلة حزينة عيونها .. وصامت قلبها ..
تبحث في كآبة أيامها عن طائر مقدس ..
كان في الأنحاء ذات يوم .. ذات يوم كان في الأنحاء .
. كان يغني للوطن ... يغزل حلم الفقراء أردية .
.. يلملم فيها الروح ... يشاكسها ويعدها بحلم قادم .
.. أيها الطائر لا ترحل الآن .. مازال في العمر أيام لم نعشها
... خمر مسكرة لم نتذوقها .
. رقصات فراشات لم تحملنا بعد علي أجنحتها .
. هل ترحل الآن ؟!
فقط امكث قليلا .. ريثما ألتقط أنفاسي .. ريثما أتلمس جناحيك ..
ريثما أختبئ تحتهما أبعث الدفء في أيامنا الباردة دونك .
البنت الفراشة مبهجة .... وحالمة ..

حملتها السلحفاة علي ظهرها ..
خفيفة روحها .. تتمايل في خفتها .. خفتها لا تحتمل ..
تسير بها السلحفاة ..تسير نحو حلم قادم تضحك الفراشة وتقول لها :
يا سلحفائي العجوز .. حينما تتعبين فقط قولي لي ..

.سأحملك علي جناحي الرقيقين .. لا يغرنك ضعفهما ...
هما قادران علي حمل ثقلك المقدس ..
سأطير في خفة تدهشك .. سأصل بك إلي طائرك المنتظر هناك .
. يعد لك قصرا من قصب وحرير .. يقف على بابه حارسا ...
يعتق لك خمره ... يشعل لك نيرانه .
الطائر الحزين رحل .. لم يعد بقادر علي أن يشرب ماء النيل .. تلوث حلمه .

. لم يعد قادرا علي شرب ماء ملوث ..
كان يقف صباحا .. يفترش جسد حابي .

. يرتوي من مائه الصافي ... فتيات القرية ينتظرنه .
. يملأن جرارهن حيث يغمس منقاره .. يـتأكدن أن الماء صافٍ ..
مازال الطائر المقدس يقف علي البحيرة المقدسة في منف ..
لا يمدن منقاره .. يشعر بالعطش .. ولكنه في انتظار سلحفاته ،
سيدة قلبه .. آتية من بعيد . .. يصفق بجناحيه .. يفسح لها مكانا جواره .
. تمد فمها من داخل الدرقة ... تشرب وتغيب معه في رقصة طويلة .
. لا تشعر بثقل جسدها ... تواصل الرقص .. تغرس أقدامها في طمي النيل .
. تصرخ أيها الطائر المقدس .. يا طائري .. يا إلهي تحوت .. أنقذني .
. يضحك أبو منجل ويقول لها أيتها المرأة العتيقة .. يا ابنة ماعت .
. رع إلهك قرر أن أصعد إليه في السماء .
. أن أعبر جسد نوت ..
قبل الرحيل إلي جواره سأحملك وأطوف بك الدنيا ، ثم أعيدك إلي بيت الحياة .
. وأواصل رحلة الصعود ...
المرأة السلحفاة الثقيلة سقطت منه في بيت الجعة .
. دار السكاري حولها .. الأبالسة يحاولون لمسها ..
هي ابنة ماعت .. رع أنقذها من قلب الميت .
. ألقي بها إلي صوت أم كلثوم .
. أم كلثوم تؤدي ببراعة ..
تطحن الكلمات مثل طاحونة كبيرة ..
( يا قلبي آه ..آه .. الحب وراه أشجان وألم .. وأندم وأتوب وعلي المكتوب مايفدشي ندم .. )
المغنية ضاقت من السكاري فهربت إلي المعبد .
لماذا تركنا السلحفاة في بيت الجعة .. وعدنا ؟
رد ( الجعل ) المقدس دعوها تمرح قليلا .. قليلا قليلا تمرح ..

لعل الجعة تخرجها أو تنسيها الطائر المنقرض ..
. الفراشة تضحك .. ترقص رقصتها الدائرية .

. تنثر علي الجالسين بشراها اليقينية ..
سيعود إليها طائرها الذي رحل ..
سيحملها رغم ثقلها علي جناحيه .. سيلتحمان في زمن قادم .

هامش أخير لا بد منه
الفراشة رمز الخفة في مصر القديمة
السلحفاة رمز الثقل
أبو منجل طائر كان لا يشرب إلا من الماء الرائق وانقرض حين تلوث النيل
رمز به المصري القديم إلي الإله تحوت الذي يسجل أعمال الميت في مملكة أوزير .
حابي .. إله النيل
ماعت ربة العدالة و التوازن
رع كبير الآلهة
نوت إله السماء
بيت الحياة : المدرسة
بيت الجعة : البار للفقراء ويشرب فيه الشعير المخمر أما الأغنياء فيشربون النبيذ .
الجعران المقدس أو الجعل هو حارس المقابر ، الذي يحمل في ذاته صفتي الأنوثة والذكورة .
هويدا صالح و صفاء عبد المنعم
القاهرة
ديسمبر 2006

السبت، 8 نوفمبر 2008

انعتاق


انعتاق
ربما كانت الواحدة أو بعدها بقليل حين قرر الإفلات من شراكها .. كثيرة هي الشراك التي تنصب للروح .. مضي وقت طويل عرفت خلاله أنها يجب أن تتركه؛ لكل الأشياء التي كان يتخذها ذريعة حتي لا يقع في فخاخها .. ربما لم تحكم الفخاخ جيداً .. لذا استطاع المخاتلة والهروب .. قال لها ساخراً :
ـ روحي لا تطيق الأغلال
عرفت ساعتها أن الوقت قد حان لتنسحب .. كانت واثقة من رغبتها في تمضية بقية العمر معه .. ذهبت إليه في مرسمه .. في الحقيقة لم يكن مرسماً بالشكل المتعارف عليه .. اتخذ هذا المكان المتواضع أعلي سطح منزل قديم بالقرب من قصر المسافر خانة منزلاً ومرسماً .. اعتاد السكان علي فكرة النساء اللاتي يزرنه في مسكنه .. بعد حروب طويلة مع صاحب المنزل والجيران استطاع تمرير فكرة زيارة البنات اللاتي يرسمهن .. وبعدها أصبح من العادي أن يخرج ويدخل مرسمه الأصدقاء والصديقات دون اعتراض من أحد .. حزام الروب الحريري ينزلق .. تمد يدها لتضم الروب علي جسده .. تنفخ في يديها لتدفأهما، وتتعجب من عدم إحساسه بالبرد .. صوت الماء علي البوتجاز يغلي .. تقوم تصب الشاي وتعود إليه .. أمسك بالفرشاة يضع لمسات نهائية علي لوحته التي شغلته شهوراً .. تجره بعيداً عن اللوحة .. يجلس علي الكنبة التي تتوسط الحجرة .. جلست بين يديه تتأمل ملامح وجهه التي تشبه ملامح صياد عجوز ملّ الفرائس الكثيرة التي استطاع الإمساك بها .. قبلت أطراف أصابعه وقالت في صوت حاولت أن تحمله بكل الانفعالات اللازمة للتأثير فيه .. عشيقاتك القدامي كيف يواصلن الحياة بعدك ، كيف يغمضن عيونهن ولا يجدنك هناك واقفاً ترقبهن وتبتسم ؟ ، فقال لها :
ـ أشياء تحدث هكذا بحكم العادة .
واصلت حديثها وهي تمسك بأطراف أصابعه ، تتملي فيهم ، ثم تقبلهم قبلة سريعة وتقول ساهمة : كيف يمكنني أن أقبض علي روحك ، وأدفسها في قلبي وأنام .. ضحك ضحكة رائقة ، ومد يده ليزيل خصلات شعرها التي تدلت من تحت الإيشارب الحريري التي تضعه علي رأسها .. ردد لها مقولته التي يحفظها كل المحيطين به:
ـ روحي لا تطيق القيود .
كل النساء اللاتي عرفهن استطاع تحديد شكل العلاقة منذ بدايتها ... لا زواج ... لا ارتباط نفسي .. لا التزام من أي نوع ... عقد اتفاق معلن بينه وبينهن .. من يدفعه الشوق للبحث عن الآخر يأتي بدون أفكار عظيمة عن أي شيء .. ميثاق شرف كتبه بخط كبير ، وعلقه علي جدار غرفته بجوار لوحة لامرأة تجلس علي ركبتيها وتتجه بوجهها لأعلي وكفيها مضمومتان أسفل ذقنها .
داومت علي سؤاله لمن تتوسل هذه المرأة ، فيبتسم ولا يرد ، فتضيف في شغف لا بد أنها تبتسم لحبيب يستعصي عليها ، فيعاود الابتسام ولا يعلق علي كلماتها المحملة بالشوق .
في المرة الأولي التي ذهبت معه ، بعد سهرة جمعتهما في حفل أقامه له أحد الأصدقاء بعد آخر معرض له ، أوقفها أمام ميثاق الشرف وقال جاداً وبنبرة أوقفت الاعتراض في حلقها :
ـ بنود هذا الاتفاق مقدسة ، إما أن تقبليها وإما أن أوصلك إلي المكان الذي تريدين الآن .
وبنظرة رومانسية ليست حالمة تماماً وافقت ، كانت تؤكد لنفسها في كل مرة تقرأ ميثاق الشرف أنها يوماً ستمزقه ، وهو راض تماماً .
كثيراً ما تساءلت هل أحب ..؟ هل شعر بالشغف والعشق نحو امرأة يوماً ؟
نساء كثيرات أقام علاقات معهن ، لكنه لم يشعر واحدة منهن بالإهانة يوماً .. دائماً يتعامل معهن بإنسانية واحترام يليق بواحد مثله ، كما كان كريماً معهن ، يعطي دون حدود أو حساب ، عطاؤه متنوع ، فالواحدة منهن وهي تجلس بين يديه تشعر كأنما ملكت العالم ، تشعر كأنه لها وحدها دون غيرها ، لا تجد مسألة الميثاق شيئاً مهماً يستحق الوقوف أمامه ، تكتفي الواحدة منهن بالعطف والحنان ، تشعر كأنها ملكة علي قلبه ، تتساءل إحداهن عن مدي حبه لها ، فيبتسم دون تعليق . لم ينف يوماً أنه يحبها ، ولم يؤكد هذا الحب أيضاً .
لما بلغ الشوق منها مبلغاً ، حضرت إليه لتقيم معه بصفة دائمة ، ضمها إلي صدره وصمت ، لما أصرت علي انتزاع وعد منه بالالتزام ، نظر إليها نظرة حزينة ، تختلف كثيراً عن النظرة الحيادية التي ينظر بها إليها ، عرفت لحظتها أن وقت الفراق الآن ، لملمت حاجياتها ، ودستها في حقيبتها الصغيرة ، وقالت :
ـ ما يقتلني كيف سأواصل حياتي دونك .
قالت جملتها ونظرت في ساعة يدها ، وقالت :
ـ الساعة الآن الرابعة بعد ظهر الاثنين ، علينا أن نؤرخ لهذه اللحظة ، لحظة انعتاق أحدنا عن الآخر .
قالتها بشكل كاريكاتيري وأضافت :
ـ عموماً إن استطعت إغماض عيني دون أن ألمحك هناك واقفاً تنظر إلي وتبتسم لن أعود .
بعد أنهت جملتها ، أغلقت الباب ، وسارت بخطوات مرتعشة وقاومت النظر للوراء ، تمنت كثيراً أن يفتح الباب ويناديها .. تسمعت لكل حركة قد تبدر منه .. ساعتها ستعود إليه نادمة .. ولن تطالبه إلا بما يريد .. لكنه لم يفعل ، فسارت في طريقها بخطوات سريعة وحاسمة .
القاهرة
أغسطس 2006