خطوة أولى: تأخرت كثيراً تلك الخطوة، لكنها الآن، وحولها كلُّ شيء ساكنٌ..ها هي تنصت لهسيس الأشياء.. وتُرجئ دموعاً ربما غافلتها حين نطق الطبيب بالكلمات الحاسمة بعد معاناة في التحاليل استمرت طوال شهر رمضان الذي طالما أحبته، وانتظرت فوق سطوح عمرها الذي تعدّى الأربعين بشهور.
تتلمس بأصابعها خلايا تنمو الآن على مهل في أحشائها، استطاعت في لحظات قليلة أن تكوّن شبه دائرة ومربعاً ومثلثاً ومستطيلاً من خلال حركات أصابعها على المكان الذي حدده الطبيب بقلم أزرق. وعلى رغم أن الطبيب قال لها كلاماً مطمئناً إلا أنها تشعر بالخلايا تتشعب. تغزل الخيوط على مهل. تمتص رحيق روحها نقطة نقطة. همست لروحها التي تكاد تغادرها. ما الذي سيتبقى من امرأة كانت دوماً صاخبة وشغوفة ؟!
الخطوة الثانية كان مقدارها الزمني لا يتعدى 35 دقيقة على أكثر تقدير. كان تفكيرها مركزاً على كل المحيطين بها، وكيف ستُلاقي كل العيون. أعدّت سيناريوهات كثيرة، وهي تتذكر كل أصدقائها وكيف سيكون وقع الصدمة عليهم. هؤلاء الذين شاركوها صخبها ومرحها، كل الوجوه التي حوصرت داخل مشهدها المتسع. كان السؤال الذي يتردد في رأسها حين فاجأتها محطتها: من منهم سيلاحظ انطفاء الرعشة في صوتها وهي تحكي حكاياتها المدهشة عن نسائها الشغوفات ؟!
الخطوة الثالثة: كانت خطواتها تثقل شيئاً، فشيئاً، وهي تدخل إلى مركز الأشعة. الممرضة تُعدُّ الجهاز وتدندن بلحن مألوف. الطبيب يدخل صامتاً ويشير لها أن ترقد على الطاولة. ترقد وترفع ملابسها حتى منتصف جسدها، المعجون البارد الذي يوزعه ببطء على بطنها يشعرها ببرودة وقشعريرة . تتابع بنظراتها يده وهي تتحرك بالجهاز على بطنها، ثم تلتفت للشاشة المضيئة أمامها:
ـ خدي نفس واكتميه وطلعيه يا مدام.
أرادت أن تسأله عن تلك البقع السوداء التي تظهر في بطنها على الشاشة، التفتت، فوجدته صامتاً منهمكاً في متابعة نبضات جوفها، فابتلعت السؤال وتابعت تلك الأشياء التي تنبض. انتهى الطبيب، ووضع قطعة قطن كبيرة على بطنها واستدار مُبتعداً. الممرضة تهمس :
ـ نضفي نفسك واعدلي هدومك يا مدام واتفضلي.
الخطوة التالية سيرصدها راوٍ مختفٍ وراء نظارة سوداء في نهار رمضان التاسع والعشرين.
راحت تُعدُّ سيناريوات حزينة عما تبقى من حياتها. هي لا يناسبها تماماً دور المرأة الحزينة، لا تجيد تقطير الدموع واختناق الصوت حين يسألها أحدهم عن حالها، هي امرأة غير حكيمة على الإطلاق. تحب الصخب والمرح. تضحك من قلبها على أشياء تبدو تافهة وعبيطة تحكي حكايات غير مُصدَّقة تماماً، لكنها تعرف كيف تأسر قلب مستمعيها.
حين كانت تخطو الخطوة الأولى للسلام، قبل أن تُلقي التحية على «بوّاب» العمارة الواقف بجوار «البسطة»، أطلقت تنهيدة كبيرة ظهرت على خطوتها الواثقة والمندفعة بحيوية مباغتة. أنهت التنهيدة بالسلام على البوّاب. بشَّ في وجهها المختفي وراء نظارة رفعتها عن عيونها بمجرد الولوج إلى المصعد.
الآن تأكدت من انتهاء المعجزة، وهي تُعيد مسح ملامح الأرق والإرهاق والقلق في مرآة المصعد المعفرة.
خطوة خامسة: لم يكن لخطوتها التالية مُسمّى يصلح غير مقولة لليوناردو دافينشي :
الجهل يعمي أبصارنا، ويضللنا. أيها البشر الفانون افتحوا عيونكم. في إصرار وعزم خلعت قناع الحكمة الذي يرتديه الحزانى، وقررت أن ترد على من يسألها عن نتيجة الفحوصات، قررت أن ترد في تهكم وسخرية:
ـ لسه بدري. مش هموت دلوقتي. عندي مشاريع عظيمة لم أنجزها بعد، قاعدة على قلبكم لطالون.
وعلى رغم أنها لا تعرف من «طالون» هذا إلا أنها قررت أن تستخدم هذا التعبير، وتغافل من يستمع إليها، وتخفي دمعة في منديلها، وتواصل المرح
تتلمس بأصابعها خلايا تنمو الآن على مهل في أحشائها، استطاعت في لحظات قليلة أن تكوّن شبه دائرة ومربعاً ومثلثاً ومستطيلاً من خلال حركات أصابعها على المكان الذي حدده الطبيب بقلم أزرق. وعلى رغم أن الطبيب قال لها كلاماً مطمئناً إلا أنها تشعر بالخلايا تتشعب. تغزل الخيوط على مهل. تمتص رحيق روحها نقطة نقطة. همست لروحها التي تكاد تغادرها. ما الذي سيتبقى من امرأة كانت دوماً صاخبة وشغوفة ؟!
الخطوة الثانية كان مقدارها الزمني لا يتعدى 35 دقيقة على أكثر تقدير. كان تفكيرها مركزاً على كل المحيطين بها، وكيف ستُلاقي كل العيون. أعدّت سيناريوهات كثيرة، وهي تتذكر كل أصدقائها وكيف سيكون وقع الصدمة عليهم. هؤلاء الذين شاركوها صخبها ومرحها، كل الوجوه التي حوصرت داخل مشهدها المتسع. كان السؤال الذي يتردد في رأسها حين فاجأتها محطتها: من منهم سيلاحظ انطفاء الرعشة في صوتها وهي تحكي حكاياتها المدهشة عن نسائها الشغوفات ؟!
الخطوة الثالثة: كانت خطواتها تثقل شيئاً، فشيئاً، وهي تدخل إلى مركز الأشعة. الممرضة تُعدُّ الجهاز وتدندن بلحن مألوف. الطبيب يدخل صامتاً ويشير لها أن ترقد على الطاولة. ترقد وترفع ملابسها حتى منتصف جسدها، المعجون البارد الذي يوزعه ببطء على بطنها يشعرها ببرودة وقشعريرة . تتابع بنظراتها يده وهي تتحرك بالجهاز على بطنها، ثم تلتفت للشاشة المضيئة أمامها:
ـ خدي نفس واكتميه وطلعيه يا مدام.
أرادت أن تسأله عن تلك البقع السوداء التي تظهر في بطنها على الشاشة، التفتت، فوجدته صامتاً منهمكاً في متابعة نبضات جوفها، فابتلعت السؤال وتابعت تلك الأشياء التي تنبض. انتهى الطبيب، ووضع قطعة قطن كبيرة على بطنها واستدار مُبتعداً. الممرضة تهمس :
ـ نضفي نفسك واعدلي هدومك يا مدام واتفضلي.
الخطوة التالية سيرصدها راوٍ مختفٍ وراء نظارة سوداء في نهار رمضان التاسع والعشرين.
راحت تُعدُّ سيناريوات حزينة عما تبقى من حياتها. هي لا يناسبها تماماً دور المرأة الحزينة، لا تجيد تقطير الدموع واختناق الصوت حين يسألها أحدهم عن حالها، هي امرأة غير حكيمة على الإطلاق. تحب الصخب والمرح. تضحك من قلبها على أشياء تبدو تافهة وعبيطة تحكي حكايات غير مُصدَّقة تماماً، لكنها تعرف كيف تأسر قلب مستمعيها.
حين كانت تخطو الخطوة الأولى للسلام، قبل أن تُلقي التحية على «بوّاب» العمارة الواقف بجوار «البسطة»، أطلقت تنهيدة كبيرة ظهرت على خطوتها الواثقة والمندفعة بحيوية مباغتة. أنهت التنهيدة بالسلام على البوّاب. بشَّ في وجهها المختفي وراء نظارة رفعتها عن عيونها بمجرد الولوج إلى المصعد.
الآن تأكدت من انتهاء المعجزة، وهي تُعيد مسح ملامح الأرق والإرهاق والقلق في مرآة المصعد المعفرة.
خطوة خامسة: لم يكن لخطوتها التالية مُسمّى يصلح غير مقولة لليوناردو دافينشي :
الجهل يعمي أبصارنا، ويضللنا. أيها البشر الفانون افتحوا عيونكم. في إصرار وعزم خلعت قناع الحكمة الذي يرتديه الحزانى، وقررت أن ترد على من يسألها عن نتيجة الفحوصات، قررت أن ترد في تهكم وسخرية:
ـ لسه بدري. مش هموت دلوقتي. عندي مشاريع عظيمة لم أنجزها بعد، قاعدة على قلبكم لطالون.
وعلى رغم أنها لا تعرف من «طالون» هذا إلا أنها قررت أن تستخدم هذا التعبير، وتغافل من يستمع إليها، وتخفي دمعة في منديلها، وتواصل المرح
هناك 9 تعليقات:
بداية
انا سعيدة بتعليقى هاهنا
التدوينة الماضية
كانت تصب شمعا ساخنا في شرايينها على مهل
راااااااااااااائعة
رائعة
الجميلةالراقيةهويدا
انت مبدعة
ولا تحتاجين كلماتى هذا لتعرفى:)
دمت بكل الود
تضحك وتغافل
نفسها من قبل
أن تضحك على
الأخرين!!
العزيزة هويدا
لا يليق بالصاخبات الشغوفات سوى استمرارهم في الصخب , تلك العلامات المميزة لهم لا تتلاشى بأي شيئ في العالم
(المقاوحة) طبع ,هبفضل
دمتِ رائعة كما أنتِ دوماً يا جميلة
السلام عليكم
مرحبا بك سيدتي
مررت للتحية
لي عودة وقرأة بتمعن
وردي
جميلة أنتي يا هويدا وستظلين للأبد ...
ونصك يحمل نبضك وروحك ... وصدقك .
تحياتى لكم ع المجهود :)
شكرا على الموضوع
thx
كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة
إرسال تعليق