عشق البنات
أسفل النموذج
حين رأته لم تتمالك نفسها ، بكت كما لم تبك من قبل ، عشر سنوات مرت ، تجلس الآن أمامه ويهمس لها بكلمات تخيلتها كثيرا ، ربما لم تتخيل أبدا أن تكون بهذا الدفء ، الآن يمكنها أن تطيل النظر إليه وأن تسمع أنفاسه وتشم رائحته. تدرك مدي ما اقترفت في حقه وحق نفسها ، خافت من الاعتراف بحبها . كيف يمكنها أن تصنع حياة موازية دون أن تتصادم مع أحد ، هل تقدر علي أن توازن حياتها دون الدخول في صدام مع أحد ؟ .كانت تلوم غادة لأنها تقيم علاقات مع آخرين من أجل تحمل زوجها الذي لا يري فيها سوي جسد يتمتع به حين يريد ويتجاهل روحها التواقة دائما إلي تواصل يمكّنها من الاستمرار في حياتها .الآن تشعر بها وتقدر همومها . هل ستفعل مثلها ؟ موقفها يختلف عن موقف غادة ، فغادة تهرب من علاقتها بزوجها إلي علاقات متخيلة . حاجتها له ربما توازي حاجتها للحياة . ربما لا تعوض تقصيرا تعاني منه في حياتها. أضاعته يوما بعناد غير مبرر ،و الآن لا تعرف كيف ستكون حياتها معه ،كل ما تعرفه الآن أنها سعيدة وحسب .أما الحسابات الأخرى فستواجهها حين يأتي وقتها .
مها الحسيني
اسمها فقط حين يطرح يستدعي مجموعة من التعليقات مثل :
ـ دي مجرمة .
ـ كل اللي بيدور في دماغها طول الوقت النيلة والطبيخ .
ـ.بس دمها زي العسل.
ـ تعالوا شوفوها في الفصل ترمي الإبرة ترن .
يتبادل الجميع التعليقات الساخرة ولا يفوت غادة أن تعلق :
ـ دي فالجر مش عارفة بتعلم ولاد زي ولادنا إزاي ؟ دول كلاس ولغات وهيه..تزم شفتيها ، وتغمض عينيها نصف إغماضة ، وتميل برأسها للوراء قليلا ، وتقول ساخرة . مش عارفة؟
ساعتها كل من في الحجرة يرمق غادة بعداء ظاهر، تدخل سلوي فتجد صراعاً كاد أن يبدأ فتنهيه بلطف : ـ مها الحسيني ست بميت راجل .
تغتاظ غادة التي لا تدرك أن سلوى أنقذتها من مناقشة ستكون هي الخاسرة حتما إن خاضتها ، تشيح بيدها وتخرج من الحجرة غاضبة .
مها منذ وصلت إلي المدرسة قبل عام ، حازت علي إعجاب الجميع بخفة ظلها وتعليقاتها الساخرة ، حتي من نفسها ، أما غادة فقد استطاعت وبمهارة لا تحسد عليها ، أن تكسب عداء معظم النساء في المدرسة .إذا ذكر اسمها تسمع إحداهن تقول لك :
ـ الهانم بتاعة إنجلترا ؟
وترد أخري مقلدة طريقتها :
ـ ياي دي بيئة .
يضحك الجميع في صخب ساعتها ترد سلوى علي استحياء:
ـ بس صدقوني طيبة جدا .
كثيرا ما أنقذتها من مها الحسيني وشلتها. حين تدخل حجرة اللغة العربية تسأل عن سلوى ، تجد مها جالسة وحولها المدرسات ، وهي تشرح لهن كيفية عمل كفتة داود باشا ، والكل منتبه لها وكأنها تشرح لهن سورة قرآنية .تقف غادة في تعال واستياء ظاهر وتقول :
ـ إنتوا إيه مفيش في دماغكم غير الأكل ؟
ترد مها في سخرية وجدية مصطنعة :
ـ لأ في الحقيقة فيه اللي أهم من الأكل.
تغمز بعينيها الواسعتين وتضحك والجميع يرد علي ضحكتها بضحك هستيري وإيماءات واضحة ساعتها تعلق غادة :
ـ ظلمكوا اللي عملكوا مدرسات .
تخرج ولا ترد علي تعليقات مها التي تقطع الحديث في تلك اللحظة وتقول:
ـ نفسي أنزلها من علي الخازوق اللي قاعدة عليه طول الوقت .
وتعلق أخري:
ـ دي دايما واقفة علي ديلها . وتضحك ثالثة في محاولة لتقليد مها:
ــ هو الخازوق طوله قد إيه ؟
يضج الجميع بالضحك وتدخل سلوى وتسأل:
ـ مالكم ياغجر ؟
تضم واحدة منهن شفتيها وتمدها للأمام لمسافة تتعدي السنتيمتر وتقول:
ـ أوو سوفاج .
تدرك سلوى في تلك اللحظة أن غادة حضرت ، وأنهن لابد قد ضايقنها ، فتقول بضيق:
ـ هيه وقعت في إيديكم يا غجر ؟
تجلس بجانب مها. تضع دفاترها في الدرج وتستمع لجانب من حديثهن . تتعجب منهن ، لا يضيعين فرصة للحديث في الجنس بالتصريح مرة وبالتلميح مرات . كل شيء يحمل إيماءات جنسية واضحة ، فلو قالت واحدة اعطني بتاعك ، وهي تقصد القلم بالتأكيد ، يضحكن ، ويعلقن ، و لو قالت أخري عن درس إنه طويل ، ولم تحدد بشكل واضح أنها تقصد الدرس ، ترد إحداهن :
ـ بجد طويل قوي يعني أنا مقدرش عليه ؟
ويضحكن . لا تفلت منهن جملة لا يحملنها بالإيماءات المناسبة لإيجاد سبب للضحك . تسميهن سلوى فرقة الغجر،وبالطبع قائد الفرقة هي مها الحسيني التي تكون مركز كل لقاء ، ومحط اهتمام كل الموجودين بلباقتها وحضورها . تجيد الحديث في كل شيء إذا سمعتها وهي تتحدث في الدين لا تصدق أذنيك ، وتنسي تماما أنها هي من كانت منذ قليل ، تتحدث في الجنس والطبيخ .تتهمهن سلوى بالبرود ودائما تعلق
ـ والله انتم بق عل الفاضي.
فترد إحداهن:
ـ إنتي بتقولي فيها. إحنا من الغلب بنسري عن نفسينا شوية . هيبقي كبت برة وجوه . وتعلق أخري
ـ أصلا يا ماما لو الرجالة شايفة شغلها كنا إتلهينا في الفعل وسيبنا الكلام .
وتعلق ثالثة بعد أن تنهي تحضير درسها وتضع علبة الطباشير أعلي الكشكول وتستعد للذهاب للحصة :
ـ الرجالة ضهرها انقسم هتشوف إيه ولا إيه ؟ تضحك في غنج وتقول لهن :
ـ يلا سلام نشوف هنقول إيه لولاد الناس ، بلا غلب هو اللي إحنا فيه شوية .
تتجه سلوى بالكلام إلي مها التي تكون مشغولة في تلك اللحظة بالتحضير وتزيين الدرس الذي تكتبه في دفترها لتنال إعجاب كل من يمسك به :
ـ وانتي يا مايسترو إيه اللي مخليكي طول الوقت بتتكلمي في الكلام الفارغ ده ؟
تعتدل مها في جلستها كمن سيخطب خطبة الجمعة. تعقد ما بين حاجبيها .تضم شفتيها ، وتمسك بالقلم بين أطراف أصابعها وتنقر به وتقول:
ـ والله يا أخت سلوى كل ده من الفراخ البيضة اللي قضت علي همة الرجالة.هنعمل إيه أصلي البلدي غالي. مع إنه يوكل زي ما بيقول عبد الفتاح القصري بس هنعمل إيه ؟ أهو الكلام أبو بلاش بيسد خانة .
ـ وإيه دخل همة الرجالة في التهريج والسخرية من خلق الله .؟!
ـ تقصدي غادة ؟ دي غلبانة زينا تلاقي البيه الدكتور هوه كمان بيخلص ويجري منها صاروخ. من غير ما يفكر إذا كانت وصلت هيه كمان زيه ولا لأ؟ أكيد بيسيبها جوزها زينا ،لا هي طالت سما ولا أرض.
يضحك الجميع من منظرها الجاد وهي تحلل موقف غادة وتقول إحداهن:
ـ تعرفوا يا ولاد ،لو الدكتور مروقها كانت خفت شوية من النفخة الكدابة دي.
أنهت سلوى المحادثة بأن أمسكت دفتر مها ، نظرت مليا في دقة تنظيمه ، كأنها تضع بعض روحها وهي تزينه بالرسومات علي أطرافه ، تتوه لحظات ، ثم تسألها :
ـ إلا قولي لي يا مها ، إيه اللي مش بتعمليه بكل طاقتك ، بحس إنك بتحطي روحك في كل حاجة ، وسط دهشة الزميلات ، تضع دفتر التحضير علي التربيزة ، وتخرج دون تعليق ، في الطريق إلي الفصل تفكر في حال غادة ومها . مها تضحك وتمزح مع الجميع حتي مع الرجال ، ولم ينظر إليها أحد يوما بشكل لا يليق . ولم يسمع عنها أحد تعليقا يسيء إليها . وغادة كل ما تفعله أنها تفرغ شحنتها النفسية مثل مها ، ولكنها فقط تختص أصدقاءها بالحديث ، ومع ذلك فهي محل انتقاد دائم من الجميع . بل ويطمع فيها كل الرجال . ربما لأن مها تصدر خطابا واحدا ، فلا تختص أحدا بعينه باهتمامها ، ولا بالوقوف معه بعيدا عن العيون .نالت اللقب الذي يحصنها من الألسنة " ست بميت راجل " كما يصرح الجميع حين يأتي ذكرها . أما غادة وتعاليها غير المقصود علي الناس ، يصنع حجابا وحاجزا سميكا يبعدها عنهم ويعرضها لانتقادهم الدائم حتي وإن لم ترتكب فعلا يسيء إلي أحد.
وقفت مها تُعدّ الطعام لصغارها وزوجها الذي تأخر اليوم علي غير العادة ،حماتها قلقة علي تأخره ، تنادي عليها وهي منشغلة في ترديد أغنية لا تعرف كلماتها علي وجه الدقة ، فتركب علي اللحن ما يترائ لها من كلمات :
ـ يا مها بتعملي إيه ، وحسن أتأخر الناهردة ليه ؟
ـ موش عارفة يا حماتي ، مع إني قبضت الحوافز النهاردة وجبت لكم كل واحد فردة حمام عجب ، وأبو علي جوز عدالة مقلكيش ......
ـ تنك كده وراه لغاية ما الواد قرب ينسلي .
ـ ليه يا حماتي هو أنت اللي خلصتي علي المرحوم حماي ، بصراحة حمامك كان يرد الروح بالمستكة وجوزة الطيب ، الراجل مرة كل جوزين زيادة فرفر مات .
ـ الله يخيبك يا مها متفكرنيش بالأيام الحلوة دي ، هو كان فيه زي أكلي .
ـ ليه يا حماتي ، ما أنا شربت منك سر الحلو يا حلو انت يا حلو ، أمال أبو علي بيموت في ليه ، إلا أحط لك في نصيبك جوزة الطيب يا حماتي ؟
تضحك المرأة في غنج مكتوم وتقول لها :
ـ الله يخيبك يا مها ، راحت الأيام الحلوة
ـ لا بلاش ، بلاها جوزة الطيب احسن تحمي وتفركي في السرير لوحدك ومفيش حواليك غير العيلين ، خلي جوزة الطيب والمستكة لابو علي سنسن حبيبي .تخبطها المرأة بود وتذهب إلي حجرتها وقد التمعت عيونها بفرح طفولي وتركت زوجة ابنها تكمل أغانيها غير المترابطة وبين الحين والحين تلتقط أغنية تحفظ كلماتها جيدا وتجد مها قد غيرت فيها حسب ذاكرتها تبتسم وتدعو لها بالسعادة . تذكرت مها غادة ، وتضايقت من سخريتهن منها ، وتذكرت لوم سلوي لها ، قررت أن تذهب إليها في الصباح وتطيب خاطرها .
هناك 14 تعليقًا:
عزيزتي هويدا
في البدايه اسمحيلي اني اهنيكي علي دخولك عالم المدونات و ربنا يوفقك
اسلوب سلس في كتابه القصه بيدل علي كاتبه متمكنه من ادواتها
فعلا كتير من الرجاله مش بيشوفوا في المرأه سوي الجسد و المتعه الشخصيه ليس الا
في رأيي ان العلاقه بين طرفين عشان تنجح لازم تكوني مبنيه علي حاجات كتيره
مش بس الجنس و مش بس الحب
كل الحاجات دي و حاجات تانيه كتير بتقرب اي اتنين من بعض كمان التفاهم مهم
اهمال طرف من الطرفين للاخر بيخاللي يكون فيه جفاء في العلاقه كمان عدم التحاور قاتل للعلاقه
تحياتي ليكي و بحييكي علي الجزء الأول من القصه و في انتظار بقيه الأجزاء
بالتوفيق انشاء الله
عزيزتي اجندا حمرا
أشكر لك إطلالتك البهية ورأيك الذي أثمنه كثيرا
نعم هي علاقة شائكة أزلية ولا مناص منها ولكنها تتطلب التوافق الروحي قبل الجسدي والمادي
هل تسمحين بوضع رابط مدونتك عندي في المدونات الصديقة
كنت سأفعلها أمس ولكن قلت استئذنك
تحياتي
عزيزتي هويدا
اشكر لكي تلك الحفاوه و الترحيب الكريم
من غير استأذان عزيزتيده شئ يشرفني اني مدونتي تكون عندك
اسمحيلي انا كمان اضيف مدونتك لدي
تحياتي لكي و في انتظار جديدك دائما
جميل هذا السرد
وهذه الهموم التي تشاغل النساء
فضح المسكوت عنه ضرورة
عزيزتي هويدا
اود ان انشكرك هلى هذا الموضوع المليئ بالدسم, اقصد مليئ بالافكار الجديدة التي قليلا ما يتطرق اليها احد, وايضا المواقف المعبرة بين نساء روايتك حتى انني كنت على وشك ان ادخل بينهن وان اشارك في الحديث.
من ناحيتي انا احب ان تكون علاقتي العاطفية او اي علاقة صداقة فوق كل المصالح الشخصية وحتى الشراكة بالحياة اعتبرها كصداقة حميمة وليس بالضرورة ان يشكل الجنس حلقة رباط بين الزوجين بحيث ان الواحدة تستانس بشريك حياتها فيما لو تعامل معها كصديقة حميمة وليست وسيلة لارضاء الجنس والغرائز.
شكرا
العزيزة مؤنسة قرص الشمس
يا حفيدة الرابات والإلهات
مرحبا بك صديقة وأختا
الصديقة مثلية
لأسف هو ميراث ربط منذ الأزل علاقة الرجل بالمرأة .. فهي علاقة قائمة علي تبادل المصالح .. ليست مصالح مادية بالطبع .. بل أقصد مصالح نفسية
هو يعطيها البيت والأمان والأمومة
وهي تعطيه السكن والراحة والدفء
ولكن من أسف يختزل الجميع تلك العلاقة في الشكل الفيزيقي الجسدي المادي ...
تحيتي لك
يا أستاذة أنا في انتظار المزيد ...
قرأت هذا الجزء
جميل سردك وشهي كرائحة التراب المبلل بماء المطر ...
عزيزتي الكاتبة الموهوبة جدا
جميلة القصة جدا
السرد فيها سلس و بسيط و بيتكلم عن هموم المرأة الشبه يومية
و الاحاديث التي تدور غالبا بين النساء
اتمنى لك كل التوفيق و في انتظار المزيد
تحياتي
عزيزتي هويدا
ملاحظه انك بقالك فتره مش بتكتبي
بتمني ان يكون المانع خير و ترجعلنا بسلامه
تحياتي ليكي و طمنينا عليكي
اجندا الجميلة
علي فكرة
الرواية انتهت وستصدر قريبا في مؤسسة النشر التي أعمل بها
يعني أنا لا أكتب الان فيها
بل آخذ أجزاء وأنشرها
أتمني أن تعجبك
شكري لك يا جميلة
عزيزتي البنوتة الجميلة
البنوتة المصرية
أشكرك أيها الجميلة علي رأيك
من تحب سعيد نوح وكتاباته أحبها بالتالي
أعتبرك صديقة لأنك صديقة له
الف مبرووووك ياهويدا بدور على نسخة اشتريها نصيحتى ليكى استمرى فى الانتاج فانتى مستقبل الرواية المصريه 0127363970 هشام صلاح سيد
بنات ابي الجزء الخامس من عشق البنات
إرسال تعليق