الاثنين، 18 أغسطس 2008

سبعة مقاطع من يوميات شجرة عارية

سبعة مقاطع من يوميات شجرة عارية
1 ـ أغنية للجسد
كنتَ ما تزال تغزل الحلم اليوتوبي عصافير ملونة وأوراقا .. وتطيرها في فضاءات متخيلة .. لمن تهدي قصائدكَ وأحلامكَ وأنا كنتُ أقبعُ هناك منسحقة أسفل رجل يداوم علي التفنن في تعذيبي .. ليس لشئ سوى أنني رددت اسمك مرة .. مرتين .. ثلاث .. لم أعرف كيف أنتزعك من تحت جلدي ... كثيرة هي المرات التي أتهمتك بالخيانة ... فقط حتي أكرهك .. كنت تغني لحلم سقط علي البوابة الشرقية .. وأنا فقط أتحايل حتي أتجنب عذابات الروح والجسد .. كل تعاويذ روحي لم تفلح في جعلي أتحمل جسده الثقيل ... ولم تفلح في إقصاءك من زاوية الروح كنت أشعر أن روحي شاخت .. ظللت تنتصب في الروح .. وظل هو يعذب جسدي .. تري من جاء بك الليلة إلي حلمي .. رأيتك اليوم طائراً أبيض جميل .. يقترب مني .. يلمس جوارحي ويطير .. ويعاود الرجوع إلي .. من جاء بك إلي حلمي .. عيونك حزينة .. تراك تحزن علي أي حلم ضاع منك بعدي ... أعرف أن روحك تناديني ... حين ودعتك علي الجسر الصغير خارج مدينتي .. وعدتك ألا أنساك .. ووعدتني أن تهدهد حلمي المغزول بأناملك .
2 ـ
نزلت من القطار المتجه جنوبا ، اتجهت بخطوات متوترة إلي السلم الخشبي ا لذي يفضي إلي خارج المحطة ، تنظر في عيون الصاعدين تبحث عن وجوه كانت مألوفة .. استوقفها ولد صغير .. تمتد يده بكيس المناديل ... عيونه الصغيرة فيها توسل ... ابتسمت و دست في يده النقود ... أحصي النقود بعينيه الصغيرتين .. وقفز درجات السلم عائداً لأمه الجالسة علي الرصيف تعيد ترتيب بضاعتها .. نظرت الأم حيث أشار الصغير وابتسمت بدورها ... واصلت درجات السلم بقلب واجف ... اتجهت إلي الشارع المقابل للمحطة ، تتلفت حواليها تبحث عن لافتة تحمل اسم الشارع ، فلم تجد . سنوات مرت منذ أن افترقت عن كل شيء ... عاودت النظر ... كانت هناك لافتة تحمل اسم شارع قديم ، حين قررت أن تعود إلي مدينتها التي لم تفارق وجدانها رغم مرور السنين ، فرحت وكأنها ستعود إلي ذاتها التي انفلتت منها وضاعت في غبار العاصمة وقسوتها ، أخرجت من محفظتها صورة صغيرة مرسوم في ناحية منها شجرة عارية من الأوراق تتساقط عليها الثلوج والناحية الأخرى نتيجة العام بحثت في شهر ديسمبر لتتأكد من الأيام الباقية علي السفر .. حين يهل العام تحرص علي أن تنام شجرتها العارية في محفظتها .. وتغيرها في العام القادم ... لا تلقي بأشجارها العارية بعد مروره .. فقط تضعها علي نتائجها المنقضية في درج مكتبها .. وفي نهاية ديسمبر من كل عام .. تحصي أشجارها العارية .. وعمرها المنفلت هكذا مثل مياه تسربت داخل رمال صحراء عطشي .
3 ـ
حبيبتي أنت شجرة عارية وحيدة تقفين منتصبة في الروح
هل أنت قادرة حبيبتي علي مقايضة أحلامنا ببيت يكون لك وحدك
هل أنت قادرة علي الفرار
ظللت تنسجين بخيوط واهية رهيفة أحلامنا
ثم تركتني واقفاً هكذا لا أقبض علي شيء
إلا بقايا لمستك في محطة وداعك الأخيرة
فررت من غابة حزني
قلت لا أقدر علي محاربتهم أنا اليتمة الضعيفة
قلت لك سنتقوي بحلمنا .. ولكنك فررت
لم تقدري علي تحويله لحلم واقعي
لم تقدري علي تحمل نيراني المقدسة
هل أنا بقادر علي نسيانك
حزني صار بعضاً مني
فلمن تهدين عطر روحك
أحاول المرور من فتحات الروح ، فتضيق
لا أجد إلا أحلام البسطاء تعوضني عن حلمي الضائع
ليلي بارد إلا من دفء بعض الأصدقاء القدامي
كل شيء كما تركته يوم استبحتي دمي ... فقط فررت

4 ـ
حين خرجت من باب المحطة لم تستطع مقاومة رغبتها في الذهاب إلي مكانها المفضل ، مقهي سافواي مازالت واقفة في مكانها تبحث عن اسم الشارع في الذاكرة ، همّت أن تسأل أحد المارة ، لكنه قفز فجأة إلي ذاكرتها فهمست شارع المحطة . المطعم الصغير الذي داومت علي تناول طعامها فيه تغير تماما ، المرايا الملصقة علي الجانبين تعكس شحوب وجهها ، اختارت مائدة مواجهة للمقهي ، ترغب في أن تكون قريبة من حلمها ... المقهي صاخب قبل ساعة الغروب .. شمس ديسمبر الضعيفة لم تدفئ ارتعاشة يديها .. فركتهما وعادت برأسها للوراء . الصداع عاودها مرة أخري . بأصابع متشنجة تخرج من حقيبتها علبة الحبوب المهدئة وتتناول حبة وتضع الزجاجة الصغيرة أمامها ، ثم تمد يدها وتتناول حبة أخري رغم تحذير الطبيب .الألم بدأ يزول ، جلست تراقب الجالسين علي المقهي .. كانت قريبة بالقدر الذي مكنها من رؤية الشاهد علي كل أحلامها الضائعة .. مكانها المفضل ... وصوت ضربات الطاولة يأتيها واضحا .. تحاول الإنصات ، ولكنه يغطي علي تعليقات اللاعبين . صوت ضحكاتهم المرتفعة يعيد إليها لحظاتها التي كانت دافئة . كانت تتضايق من صخب المكان وتحاول أن تغير مكان لقائهما ولكنه كان يخبرها بعشقه له وحبه لدقائقه ، يبالغ في وصف سريالية الحوائط وبقع الشمس المتسربة من بين أوراق العنب .. تضحك ولا تتعاطف مع صوره التشكيلية التي يصورها .. ولكنها تواصل المجيء معه .. لتعايش دقائق أشيائه التي تفرحها
5 ـ
حبيبتي انظري لخيوط الشمس المنفلتة من بين أوراق تكعيبة العنب
ترسم دوائر من الضوء اللامع ..
رائحة الأرضية الخشب , الحوائط المطلية بالجير المتكلس الذي تساقط بعضه
تصنع سريالية جميلة ..
ها أنت تري الجمال حتي في الجير المتكلس
سرياليتك متخيلة
إن هي إلا قطع من جير متهرأة
لا تحزن .. لا بأس حبيبي ... أحلامك تفرحني
رؤيتك للأشياء فقط مختلفة ومدهشة
صخب روحك يربكني
لكنني لا أقوي علي محاربتهم دونك
وأنت فقط تحيا لتحلم
الحلم حلو ولكنه لا يرد اتهامات الأهل .
لا أقوي علي التحليق بأجنحة متخيلة .
تبتسم لأشيائه الجميلة المفرحة وتظل تحضر معه إلي مكانه المفضل ، وتجلس بين أصحابه تشاركهم صخبهم ومرحهم وآرائهم الثورية ، و تهمس له :
ابتسامتك تملأ فضاء روحي .. فيقبل كفها دون الخوف أو الخجل من الجالسين .. يطيل النظر في عيونها ولا يخشي الرجل الذي يغير له نار الشيشة .. تنظر إلي الرجل الذي يداري ابتسامة واهية ... تسحب كفها وتعنفه علي جرأته .. يتواطئ معه الأصدقاء في الضحك .. فينصرف الرجل .. وتنزوي هي في خجلها كدودة خرجت من التو من شرنقة تخنقها .. ترفع عيونها خجلة وتمسك بالنعناع الأخضر تغمسه في الشاي .. ينصرف هو إلي الطاولة ... وهي تتلذذ بوقع شفاهه علي كفها .. وفي الليل يرتعش قلبها كلما تذكرت هذه الجرأة التي تأسرها.. تشعر الآن بأصابعه وهي تقبض علي أصابعها ودموع محبوسة في عيونه ساعة الوداع حين تركها واتجه إلي شارع الحسيني . ساعتها تسمرت في مكانها وكأن أوتاداً عظيمة ثبتت أعضاءها للأرض . لم تستطع المقاومة .
صرخات خالتها أرجعت الكلام إلي حلقها مرة أخري .. لا تفهم كيف ستجلب لها العار إن هي رفضت رجلا تقدم لخطبتها ، لما وجدتها تبكي حد التشنج تلطفت معها في الحديث ، ذكرتها أكثر من رة أن زوجها فعل الكثير من أجل تربيتها عددت لها مزايا رجل يكبرها بعشرين عاما علي الأقل ، لم تجد اليتيمة الضعيفة إلا الموافقة .
. لقد تلذذ كثيرا بألمها وصراخها .. عرف بعد زواجهما بقليل من أحد أصدقائه بعلاقتها السابقة بخالد . ولما زاد الضغط عليها لجأت للطبيب النفسي .. لم تستطع جلساته الكثيرة أن تمحو آثار عذابه عن روحها ، .. أدويته تدخلها في متاهة ولا تزيل آثار التشويه عن جسدها ، البقع السوداء والحروق .. تحفر لنفسها جيدا .. تغوص الحفر حتي العظام .. لم ينقذها من هذا العذاب إلا موته الدراماتيكي ، بعد مرضه الذي أضاف إلي معاناتها فصلا جديدا ، مات وحيدا ومتألما في غرفة باردة في معهد الأورام . لم يجد بجانبه أحداً غيرها . حين كانت تراه متألما وضعيفا لا تصدق أن هذا الرجل هو الذي كان يقيدها ويظل يضربها حتي تغيب عن الوعي بعدها يغتصبها . موته كان بمثابة الخلاص لروحها . وضع حدا لآلامها النفسية رغم أنها ما زالت تذهب لطبيبها ليرفع عنها عبء الكوابيس والأحلام المرعبة .. تري نفسها في حلم يتكرر .. تغتصب أمام حبيبها وهو واقف يراقبها ويبكي ، ولكنه لا يقدر علي تحطيم الحاجز الزجاجي الشفاف ، فيرقبها فقط ويبكي . كانت تهمس باسمه في أحلامها ، فيغضب زوجها ويزداد تعذيبا لها . لم يستطع أن يقهر توغله داخلها .وهي تقسم له أنها نسيته تماما ولكنه لم يصدقها يوما .
6 ـ
المقهي يزداد صخبا .. بعد غروب الشمس .. يهل عليه الأصدقاء القدامي .. مازالت تراقب الجالسين يلعبون ويضحكون . سقطت دمعة علي كفيها المتكورتين أسفل ذقنها . انتبهت إلي الفتي الذي أحضر طعامها وهو يرقبها في فضول . أطالت النظر إلي عينيه العسليتين ، فارتبك وأحضر لها فاتورة الحساب ,لفت نظره مظهرها ولهجتها سألها في خجل :
ـ حضرتك من المنيا ؟
قالت في تلقائية :
ـ من عزبة الخشابة .
قال في ود
ـ خليها علينا حضرتك
وأعاد إليها النقود ، ولكنها أصرت علي ترك النقود علي الطاولة ، وخرجت . كورت كفيها في جيوب المعطف الجلدي واتجهت إلي المقهي . دخلت من الباب الجانبي . تذوب شوقا ولهفة إليه .إلي كل الأشياء كأنها تركتها منذ قليل .. كأنها لم ترص في درج مكتبها عشر ة نتائج لأشجار عارية وحيدة يساقط عليها الثلوج ... , الشرفة الخشبية ، تكعيبة العنب ، الشجيرات الصغيرة المنبثقة من الحوائط الحجرية البيضاء .. كان يصف لها شجاعة وقدرة هذه الأشجار الصغيرة المحاربة التي تتحدي قوانين الطبيعة وتنبت من بين أحجار بيضاء لحوائط قديمة ... المقاعد الخيزران وكوب الشاي بالنعناع من يد عم حسين . دخلت لم يلحظها أحد ، كانوا متحلقين حول مائدته وهو يلاعب أحدهم الشطرنج . الرجل الجالس أمامه منهمك في تحريك القطعة السوداء . العيون معلقة بيده . حين حركها امتدت يد خالد بسرعة وحرك قطعة الحصان البيضاء . عاد إلي الوراء برأسه وقال في هدوء وثقة قائد معركة أدارها بمهارة .. كش ملك ,مات يا جميل , يضج الجالسين بالضحك .. يشيح صديقه بيده ويعنف الجالسين .. لأنهم أربكوه بتعليقاتهم ومزاحهم ... يقول أحدهم :
ـ إيه يا سيدي هتتهرب من دفع الحساب .. ؟
ويرد آخر :
ـ ده اتفاق رجالة .. أنت خسرت وهتشيل الليلة .. يا عم حسين .. هات حسابك ..
يضحك خالد ويقول :
ـ بالراحة يا جماعة أحسن هيعيط .. خلاص يا سيدي كفاية عليك الغلب وأنا هشيل الحساب ..
ـ بس اعترف يا خلود إن الدور كان لي من الأول بس ولاد الهرمة دول لخبطوني .
لم يلتفت إلي وجودها , لم يشم عطرها المميز .. نسي جدالهما الكثير حين يشتري لها " أزارو " ويقنعها أن " رومبا " شعبي ولا يليق بأميرة مثلها .. هي الآن تفوح منها رائحة عطرها المفضل لديه .. وهو لا يشمه . لم ترقص روحه حين دبت بقدميها علي الأرضية الخشب . انسحبت إلي الشرفة ، وجلست في ركن مظلم تراقبه ، وتراقب جديته الشديدة في مناقشة أوضاع البلد التي لا ترضي أحد . اكتسي وجهه الصرامة والأسى بعد بهجة اللعب والضحكات الصاخبة .قادر هو مازال علي الجدل والنقاش . لم يلتفت إليها أحد إلا النجيمات البعيدة التي تبص عليها وتلحظ انسحاقها . سمعت صوت أقدامهم ينصرفون . قامت لتنظر إليه نظرة أخيرة .تراه بينهم خيالا مرتعشا في الضوء الباهت المنسرب من باب المقهي .في لحظة حاولت أن تنادي عليه أو تلفت نظره لوجودها ، ولكنها لم تستطع إخراج الكلمات من فمها فخرجت ، وفي الطريق قررت أن تعود غداً ، لتراه عله ينقذها من كوابيسها التي صارت تلازمها مثل جلدها ، موت زوجها أنهي عذابها ، ولكنه لم يحطم الحاجز النفسي الذي يغرقها بكوابيسه .

الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

ليس حالما تماما

( 1 ) مقدمة لا بد منها

هو رجلها الذي أشعل نيران الدهشة الأولي ... ومضي دون أن يلمس صباحاتها التواقة إليه .. وهي امرأة وحشية تقيم طقوساً لجسدها .. تصلي صلوات وثنية وتقول للروح أغنية .. وللجسد فرح .. وللرجل سيد الوقت حق في تشكيل الخرائط .. ونسج خيوط الاشتهاء ... وهي تصرخ فيه .. يا سيد الحلم / التوق .. هلا أزحت لغة الصمت التي كويتني بها .

كان يجلس علي خارطة الحلم ... ينسج أثوابا لا يرتديها .... يشكل كلمات لا يعنيها .. لما سمع صراخها قال جملته التي أثارت حقدها عليه .. جعلتها تلعنه كل يوم ألف مرة ... صارت لعنته صلاتها ... قال لها : لا أتصورك جسدا يشتهي ... أنت حبيبة الروح وكفي .

( 2 )

كيف تتصورني إذن ؟! .. قادر أنت علي تحويلي إلي أنفاس تشتمها في عمق ووجد وكفي ! أتكتفي المرأة فقط بالوهج .. بالوجد والشغف ؟! إذن من يتلمس العتمة داخلي ... من يهدهد وحشية الأحلام .. نظر إلي نظرة عاتبة وصمت .. فقط صمت .. وبعد طول صمته سألني هل هناك آخر أسعي إليه ... وطال صمته .. ثم قال حزينا وبشكل ميلودرامي : هل أريد أن أنزل عبء شغفنا عن كاهلي ... لم أمهله ليدخل في نوبات صمته ... أنا أريد بيتا وعرسا وسريرا دافئاً ... ودخلت في الصمت .. أنتظرت أن تسكتني بشفاهك .. تمتصني عبقاً زاخما بالاحتمالات .. لكنك لم تفعل .. فقط قلت لا أقدر أن أوفر لك ما تطمحين .. ثم حزنت وصمت .. تركتني أتحدث كثيراً عن مبررات قراري .. عن أمي التي ترغب في أن تراني عروساً .. عن أبي الحزين الذي يخشي الرحيل دون أن يطمأن علي .. عن الآخر وعطوره البازخة وسيارته الفارهة .. غرقت في الصمت .. عرفت كيف تهرب من الأسئلة .. لغتي تغرق في الاحتمال .. ولغتك قاطعة .. قلت لن أستطيع أن أوفر لك بيتاً وحياة ... كم من الوقت يلزمك لتقول لي إني أحررك من قيود شغفنا ... آه أيها الحالم .. غادرتك محملة بالوهم والشجن ... وسمحت لآخر أن يعتليني دون رغبة حقيقية مني لا لشيء إلا لأنه قادر علي أن يوفر سقفا وحياة .

( 3 )

ما الذي جعلك تعاملها هكذا ببراءة تامة ؟ لماذا رأيتها في تلك اللحظة أعلي من أن تلمسها يداك ؟ من هي حتي تعاملها بقدسية لا تليق بتصوراتها التي ظلّت ترسمها للقاء ؟ سيناريوهات كثيرة تخيلتها ولم يكن مقابلتك العذرية تماما واحدا منها أنت الذي اكتفيت بالضغط علي يدها ومحاولة إبقائها في يدك أطول فترة ممكنة . لما جاءك صوتها بعد هذه السنوات الطويلة لم تصدق أذنيك ورقصت طربا ، خفق قلبك كمراهق صغير يحصل علي موعد لأول مرة من حبيبة تمناها كثيرا . صوتها رائق ودافئ كعهدك به تطلب في دلال معرفة عنوانك . تتلعثم وأنت تصف لها العنوان الجديد ... صوتها يمتلئ شجناً وهي تسألك متي غيرت عنوانك القديم ... تتجاهل السؤال حتي لا تقول بعد خيانتك لقصة حبكما ... لماذا شعرت بنغذة فوق القلب وأنت تردد الجملة في رأسك ... لقد كانت قصة حبكما فاشلة بأية حال ، ليس لأنك شخص لا يوثق به ويخون حبيباته القدامي ، بل لأنك كنت حالما بشكل زائد ، فاتهمتك بعدم الواقعية ، كفاحك لم يبد له آخر ، ولا يوفر سقفا وحياة . ربما لم يكن الأصدقاء محقين حين حسدوكما علي هذه العلاقة .

سأخبرك أمرا هي ليست سعيدة بهذه الحياة وإلا لماذا سعت إليك بعد هذه السنين ؟ ولماذا وافقت علي اللقاء في منزلك .. ربما تكون اهتزت فرحا حين دعوتها لمنزلك ... سمعت من أختك أنك طلقت زوجتك ... لو تصورت اللقاء هكذا لقالت لك مثلا نتقابل في مكاننا المفضل . ذلك المكان الذي شهد علي كل الوعود التي قطعتها لك.

نساء كثيرات جئن إليك وفعلت معهن كل ما تشتهى ، فلماذا ليست هي ؟ ! لماذا لم تأت بها إلي سريرك وتعريها قطعة قطعة ... مثلما فعلت كثيراً في أحلام يقظتك .

أنت هكذا من تحبها لا تقدر علي تصورها في السرير... ومن تأتي بها إلي سريرك لا تحبها ....... هل يعود ذلك إلي تلك الرومانسية التي تغرق فيها حتي أذنيك لدرجة تمنعك من تصورها جسدا يشتهي ؟ ... أم الخوف علي براءتها المفترضة، ..... لعلمك هي مجرد امرأة لطالما اعتلاها زوج لم تكن أبدا تطيق نفسه أو رائحة فمه ... ولكنها لم تعترض يوما ... ولم تستطع أن تهرب من أسفله ، بل داومت علي إدعاء الاستمتاع والرغبة .... وبعدها كانت تجري علي الحمام لتفرغ جوفها من أثر ريقه . بل هي أقل من عادية ، تفوح منها رائحة العرق ولا تفلح التركيبة التي تأتي بها من العطار في إخفاء رائحتها ... لا تقل أن رائحة عرقها تثيرك .. فلم تثر زوجها يوماً .. بل دائما طلب منها أن تتعطر قبل الدخول إلي سريره .

أعلم أن رائحتها تثيرك وأنها تذكرك برائحة الخميرة البيرة واللبن المتخثر ، بل تذكرك برائحة جسد أمك البض الذي كنت تستمتع بتشممه حتي لما كبرت كنت تلقي بجسدك في حضنها وتغيب لحظات مع تلك الرائحة .

فقط لو يعرف كم أتعذب به ... فقط لو كان ما قالته أخته حقيقة ... هل حقا لم يستطع إكمال حياته دوني .... حلما ونافذة يبص بها علي الروح هو ما كان يملك ... لم أكن قادرة علي الحلم ... فهربت من دروبه ... اخترت رجلا يملك ما أحقق به الأحلام .. ولكنني لا زلت أكتوي بنيرانه ... هو يسكن تحت الضلوع ... يفقدني بهجة كل شيئ ...

تذكر حين انفردتما يوما وأنتما تصعدان إلي الروف جاردن في المصعد ، ولم يكن معكما عامل المصعد يومها . نسيت أن تأخذ شفتيها اللتين كانتا مثيرتين في فمك . انشغلت عن ذلك بتشمم جسدها . يدك الممدودة ترتعش ، وهي تقبض علي يديها ، صوتك يفضحك تماما ، تشعر بارتباكك ، عيناك زائغتان كشاب ضبطه أبوه يقبل ابنة الجيران . ابتسمت في دلال وجلست بجانبك علي الكنبة ، لا يفصلكما سوي المخدة الصغيرة التي وضعتها علي حجرها بتلقائية تبدو غير مقصودة ، لتفسح المجال لجسدك يلامس جسدها .الآن هي بين يديك ، وتمد يدها لتفك التوكة التي تقيد شعرها خلف رأسها . تحرره ثم تهزه في غنج واضح ، وعيونها تشتعل رغبة . أنت تكتفي بالنظر إليها ، وتأملها في وجد لا يليق بهذه اللحظة . ظللت تتحدث عن الأصدقاء وماذا فعلت بهم الأيام والذكريات ، وتجنبت تماما الحديث عن فراقكما . كانت تجلجل ضحكاتها ، وهي تستمع إلي تقليدك لبعضهم وتلمع عيونها . أصابعها تمتد لتزيح خصلات غطت وجهها ، لا تعرف كيف واتتك الجرأة لتلمس خدها الأسمر الرقيق ، تمرر إصبعك فقط علي خدها ، تفيق لنفسك بعد أن شعرت بارتباكها ، فتغير الموضوع وتتحدث عن المشهد السياسي وحال الناس ما لها هي والناس . هي الآن تذوب في انتظار لمستك وأنت لا تفعل ، بل تستمر في الحديث ، وهي تضحك حتي تقع علي ظهرها . يبين قميصها الأسود . تتعمد أن تظل هكذا نائمة علي ظهرها .. ترفع ذراعاه و تضعه أسفل رأسها ... تضع الذراع الآخر علي رأسها ... ويسود بينكما سكون للحظات ... طالت .. تكاد تسمع دقات قلبك ... وهي تغمض عينيها وتظل راقدة في انتظار يدك ... حين تطول اللحظة ، تمد يدك لترفع رأسها ، فتقوم وهي قابضة علي ذراعك . تنظر لها في وجد ، وتقول :

ـ اشربي العصير

تخرج لسانها ليلامس شفتها العليا أثارك المشهد تماما فتقول رغما عنك :

ـ يخرب بيتك .

تنتبه لجملتك وتفهمها ولكنها تدعي البراءة وعدم الفهم وتسألك في دلال لماذا قلت هذا التعليق تتهرب من الإجابة ولكنها تلح وتظل تزحف إليك حتي تلامس ركبتيها فخذك فيشتعل جسدك وتشعر أنك مهيأ لها ، تشعر بالملل والإحباط ، فتنزل قدميها علي الأرض تقول في مرح وهي تبحث عن حذائها

ـ أنا همشي بقي أحسن اتأخرت

وتقرر الرحيل .