الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

ليس حالما تماما

( 1 ) مقدمة لا بد منها

هو رجلها الذي أشعل نيران الدهشة الأولي ... ومضي دون أن يلمس صباحاتها التواقة إليه .. وهي امرأة وحشية تقيم طقوساً لجسدها .. تصلي صلوات وثنية وتقول للروح أغنية .. وللجسد فرح .. وللرجل سيد الوقت حق في تشكيل الخرائط .. ونسج خيوط الاشتهاء ... وهي تصرخ فيه .. يا سيد الحلم / التوق .. هلا أزحت لغة الصمت التي كويتني بها .

كان يجلس علي خارطة الحلم ... ينسج أثوابا لا يرتديها .... يشكل كلمات لا يعنيها .. لما سمع صراخها قال جملته التي أثارت حقدها عليه .. جعلتها تلعنه كل يوم ألف مرة ... صارت لعنته صلاتها ... قال لها : لا أتصورك جسدا يشتهي ... أنت حبيبة الروح وكفي .

( 2 )

كيف تتصورني إذن ؟! .. قادر أنت علي تحويلي إلي أنفاس تشتمها في عمق ووجد وكفي ! أتكتفي المرأة فقط بالوهج .. بالوجد والشغف ؟! إذن من يتلمس العتمة داخلي ... من يهدهد وحشية الأحلام .. نظر إلي نظرة عاتبة وصمت .. فقط صمت .. وبعد طول صمته سألني هل هناك آخر أسعي إليه ... وطال صمته .. ثم قال حزينا وبشكل ميلودرامي : هل أريد أن أنزل عبء شغفنا عن كاهلي ... لم أمهله ليدخل في نوبات صمته ... أنا أريد بيتا وعرسا وسريرا دافئاً ... ودخلت في الصمت .. أنتظرت أن تسكتني بشفاهك .. تمتصني عبقاً زاخما بالاحتمالات .. لكنك لم تفعل .. فقط قلت لا أقدر أن أوفر لك ما تطمحين .. ثم حزنت وصمت .. تركتني أتحدث كثيراً عن مبررات قراري .. عن أمي التي ترغب في أن تراني عروساً .. عن أبي الحزين الذي يخشي الرحيل دون أن يطمأن علي .. عن الآخر وعطوره البازخة وسيارته الفارهة .. غرقت في الصمت .. عرفت كيف تهرب من الأسئلة .. لغتي تغرق في الاحتمال .. ولغتك قاطعة .. قلت لن أستطيع أن أوفر لك بيتاً وحياة ... كم من الوقت يلزمك لتقول لي إني أحررك من قيود شغفنا ... آه أيها الحالم .. غادرتك محملة بالوهم والشجن ... وسمحت لآخر أن يعتليني دون رغبة حقيقية مني لا لشيء إلا لأنه قادر علي أن يوفر سقفا وحياة .

( 3 )

ما الذي جعلك تعاملها هكذا ببراءة تامة ؟ لماذا رأيتها في تلك اللحظة أعلي من أن تلمسها يداك ؟ من هي حتي تعاملها بقدسية لا تليق بتصوراتها التي ظلّت ترسمها للقاء ؟ سيناريوهات كثيرة تخيلتها ولم يكن مقابلتك العذرية تماما واحدا منها أنت الذي اكتفيت بالضغط علي يدها ومحاولة إبقائها في يدك أطول فترة ممكنة . لما جاءك صوتها بعد هذه السنوات الطويلة لم تصدق أذنيك ورقصت طربا ، خفق قلبك كمراهق صغير يحصل علي موعد لأول مرة من حبيبة تمناها كثيرا . صوتها رائق ودافئ كعهدك به تطلب في دلال معرفة عنوانك . تتلعثم وأنت تصف لها العنوان الجديد ... صوتها يمتلئ شجناً وهي تسألك متي غيرت عنوانك القديم ... تتجاهل السؤال حتي لا تقول بعد خيانتك لقصة حبكما ... لماذا شعرت بنغذة فوق القلب وأنت تردد الجملة في رأسك ... لقد كانت قصة حبكما فاشلة بأية حال ، ليس لأنك شخص لا يوثق به ويخون حبيباته القدامي ، بل لأنك كنت حالما بشكل زائد ، فاتهمتك بعدم الواقعية ، كفاحك لم يبد له آخر ، ولا يوفر سقفا وحياة . ربما لم يكن الأصدقاء محقين حين حسدوكما علي هذه العلاقة .

سأخبرك أمرا هي ليست سعيدة بهذه الحياة وإلا لماذا سعت إليك بعد هذه السنين ؟ ولماذا وافقت علي اللقاء في منزلك .. ربما تكون اهتزت فرحا حين دعوتها لمنزلك ... سمعت من أختك أنك طلقت زوجتك ... لو تصورت اللقاء هكذا لقالت لك مثلا نتقابل في مكاننا المفضل . ذلك المكان الذي شهد علي كل الوعود التي قطعتها لك.

نساء كثيرات جئن إليك وفعلت معهن كل ما تشتهى ، فلماذا ليست هي ؟ ! لماذا لم تأت بها إلي سريرك وتعريها قطعة قطعة ... مثلما فعلت كثيراً في أحلام يقظتك .

أنت هكذا من تحبها لا تقدر علي تصورها في السرير... ومن تأتي بها إلي سريرك لا تحبها ....... هل يعود ذلك إلي تلك الرومانسية التي تغرق فيها حتي أذنيك لدرجة تمنعك من تصورها جسدا يشتهي ؟ ... أم الخوف علي براءتها المفترضة، ..... لعلمك هي مجرد امرأة لطالما اعتلاها زوج لم تكن أبدا تطيق نفسه أو رائحة فمه ... ولكنها لم تعترض يوما ... ولم تستطع أن تهرب من أسفله ، بل داومت علي إدعاء الاستمتاع والرغبة .... وبعدها كانت تجري علي الحمام لتفرغ جوفها من أثر ريقه . بل هي أقل من عادية ، تفوح منها رائحة العرق ولا تفلح التركيبة التي تأتي بها من العطار في إخفاء رائحتها ... لا تقل أن رائحة عرقها تثيرك .. فلم تثر زوجها يوماً .. بل دائما طلب منها أن تتعطر قبل الدخول إلي سريره .

أعلم أن رائحتها تثيرك وأنها تذكرك برائحة الخميرة البيرة واللبن المتخثر ، بل تذكرك برائحة جسد أمك البض الذي كنت تستمتع بتشممه حتي لما كبرت كنت تلقي بجسدك في حضنها وتغيب لحظات مع تلك الرائحة .

فقط لو يعرف كم أتعذب به ... فقط لو كان ما قالته أخته حقيقة ... هل حقا لم يستطع إكمال حياته دوني .... حلما ونافذة يبص بها علي الروح هو ما كان يملك ... لم أكن قادرة علي الحلم ... فهربت من دروبه ... اخترت رجلا يملك ما أحقق به الأحلام .. ولكنني لا زلت أكتوي بنيرانه ... هو يسكن تحت الضلوع ... يفقدني بهجة كل شيئ ...

تذكر حين انفردتما يوما وأنتما تصعدان إلي الروف جاردن في المصعد ، ولم يكن معكما عامل المصعد يومها . نسيت أن تأخذ شفتيها اللتين كانتا مثيرتين في فمك . انشغلت عن ذلك بتشمم جسدها . يدك الممدودة ترتعش ، وهي تقبض علي يديها ، صوتك يفضحك تماما ، تشعر بارتباكك ، عيناك زائغتان كشاب ضبطه أبوه يقبل ابنة الجيران . ابتسمت في دلال وجلست بجانبك علي الكنبة ، لا يفصلكما سوي المخدة الصغيرة التي وضعتها علي حجرها بتلقائية تبدو غير مقصودة ، لتفسح المجال لجسدك يلامس جسدها .الآن هي بين يديك ، وتمد يدها لتفك التوكة التي تقيد شعرها خلف رأسها . تحرره ثم تهزه في غنج واضح ، وعيونها تشتعل رغبة . أنت تكتفي بالنظر إليها ، وتأملها في وجد لا يليق بهذه اللحظة . ظللت تتحدث عن الأصدقاء وماذا فعلت بهم الأيام والذكريات ، وتجنبت تماما الحديث عن فراقكما . كانت تجلجل ضحكاتها ، وهي تستمع إلي تقليدك لبعضهم وتلمع عيونها . أصابعها تمتد لتزيح خصلات غطت وجهها ، لا تعرف كيف واتتك الجرأة لتلمس خدها الأسمر الرقيق ، تمرر إصبعك فقط علي خدها ، تفيق لنفسك بعد أن شعرت بارتباكها ، فتغير الموضوع وتتحدث عن المشهد السياسي وحال الناس ما لها هي والناس . هي الآن تذوب في انتظار لمستك وأنت لا تفعل ، بل تستمر في الحديث ، وهي تضحك حتي تقع علي ظهرها . يبين قميصها الأسود . تتعمد أن تظل هكذا نائمة علي ظهرها .. ترفع ذراعاه و تضعه أسفل رأسها ... تضع الذراع الآخر علي رأسها ... ويسود بينكما سكون للحظات ... طالت .. تكاد تسمع دقات قلبك ... وهي تغمض عينيها وتظل راقدة في انتظار يدك ... حين تطول اللحظة ، تمد يدك لترفع رأسها ، فتقوم وهي قابضة علي ذراعك . تنظر لها في وجد ، وتقول :

ـ اشربي العصير

تخرج لسانها ليلامس شفتها العليا أثارك المشهد تماما فتقول رغما عنك :

ـ يخرب بيتك .

تنتبه لجملتك وتفهمها ولكنها تدعي البراءة وعدم الفهم وتسألك في دلال لماذا قلت هذا التعليق تتهرب من الإجابة ولكنها تلح وتظل تزحف إليك حتي تلامس ركبتيها فخذك فيشتعل جسدك وتشعر أنك مهيأ لها ، تشعر بالملل والإحباط ، فتنزل قدميها علي الأرض تقول في مرح وهي تبحث عن حذائها

ـ أنا همشي بقي أحسن اتأخرت

وتقرر الرحيل .

هناك 13 تعليقًا:

أسماء علي يقول...

لقد انتظرت -هي- الكثير لكنها دوما كانت تتملل قبل أن يتمكن منه شيطانها تمام التمكن ..

كان شيطانها يأخذ وقتا حتى يكسر خطوط حلمهِ .. فقط لو صبرت بعض الشيئ لأصبح غير حالما بالمرة .. وتكسرت الحكاية كلها لتصبح مثل كل الحكايات ..!

...

الأديبة الرائعة .. هويدا صالح

في قصصك أجد الروح المشتعلة .. و الحلم الذي يظهر أنه حلم وهو يتوق أيضا ..

و أجد الإبداع الرائق ..

دمتِ متميزة ..

كرانيش يقول...

كم انت جميله حقا

بجد

رغم انى مبقراش على النت غير شعر
الا انى استمريت فى القراءه
ومحسيتش بملل
رغم انى لا اجيد القراءه الالكترونيه
الا انى حبيت كتابتك


دمت بخير

كرانيش يقول...

كم انت جميله حقا

بجد

رغم انى مبقراش على النت غير شعر
الا انى استمريت فى القراءه
ومحسيتش بملل
رغم انى لا اجيد القراءه الالكترونيه
الا انى حبيت كتابتك


دمت بخير

سنتيمتر من الحنان يقول...

أشكرك
يارب نبقى أصدقاء
مري لو سمحت على مدونتي
http://asmablindspot.blogspot.com
أسماء شهاب الدين
قاصة مصرية

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

الرائعة أسماء على
شكرا لمتابعتك
دمت صديقة جميلة

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

كرانيش الحلوة
الحمد لله إننا جعلناك تقرأين سردا
هذه ميزة لنا
دمت صديقة

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

أسماء أيتها الناقدة المتميزة
قرأت ما كتبت من نقد
أعجبني
وتركت لك تعليقا هناك
دمت أحلى

سمير مصباح يقول...

يبدو ان اروع التجارب واطولها حياة هى تلك التجارب غير المكتملةتلك التى تحتفظ بمسافة دقيقة جدا بيها وبين التحقق فتظل تحيى فى تلك المسافة بين الحلم والواقع
تلك من المرات القليلة التى تهرب منى كلماتى حين احاول التعبير عن اعجابى بعمل ادبى جميل
لا استطيع ان اقول غير اننى استمتعت بقصتك كثيرا
تحياتى

Ahmad Abdulatif يقول...

المبدعة هويدا
ادهشني من قبل مقدرتك علي وصف تفاصيل صغيرة مرتبطة بأحاسيس المرأة ، الآن تبهرني وصف مشاعر الرجل ،وفي جمل قصيرة ومختصرة ، هذا الرجل الذي يفصل بين الحب وممارسته . اعجبني ارتباكه كابن ضبطه أبوه يقبل ابنة الجيران ، وإن كنت أري أن جملة " ضبطه أبوه وهو يمارس العادة السرية "أكثر قوة ، خاصة في عالم الرجال الذي تطرقتي له.

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

سمير مصباح
قرأت لك سردا رائعا
ومن أجل هذا أقول وأعني ما أقول شهادة أشكرك عليها

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

أحمد يا صديقي
لا أعرف هل وفقت في وصف مشاعر الرجل المتخيلة أم لا ؟
ولكنني أشكرك على متابعتك ومساندتك

ست الحسن يقول...

ياااه

أنا بجد اتنقلت للمشهد اللي انتِ راسماه كويس أوي
تصوري مش حاسة ان فيه جملة ينفع تتشال
بجد خاصة جداً
والناس فعلاً حقيقين الواحد يقدر يلمسهم ويشوفهم
......

حلوة فعلاً

أسما عواد يقول...

لما سمع صراخها قال جملته التي أثارت حقدها عليه .. جعلتها تلعنه كل يوم ألف مرة ... صارت لعنته صلاتها ... قال لها : لا أتصورك جسدا يشتهي ... أنت حبيبة الروح وكفي .
جميلة بجد
قرات البوست عدة مرات أعجبني جا
شكرا لجمال تعبيرك