عشق البنات
امرأة تجيد الانتظار
هي امرأة تجيد الانتظار. فقط تود أن تتعذب بالانتظار. لم يلمس أحد يومًا مواطن البهجة من روحها. تجيد رسم الكلمات. ويعلو صوتها بالقصائد؛لكنها حتمًا لا تشعر بالمعاني العميقة التي تطرحها في قصائدها.
كانت تجلس تحت شجرة الكافور الكبيرة مع زميلها الذي يذوب عشقًا فيها. تجلس باسمة ومنتشية؛ لقصائد الغزل التي يكتبها لها كل يوم. ليس لأنها تشعر بنفس مشاعره المتدفقة؛ ولكنها فقط تعجب من السيلان العجيب لمشاعره.كل يوم يأتيها بقصيدة.
هو يصدق تمامًا مشاعره الفياضة،ويعبرها هي مصدر إلهامه. هي تحب نظرة الحسد في عيون الفتيات.
للحق هناك سبب آخر جعلها تتحمل لزوجة صوته الناعم، حينما يهتف بحروف عشقها. هي كانت تجيد استعماله . دومًا ما تعرف كيف تستعمل الآخرين لما تريد.
ما الذي يمنع من استعمال ذلك العاشق الولهان ؟!
يكتب لها المحاضرات، ويغافل الأستاذ، ويسجل اسمها في الحاضرين، ثم يتمادى في شغفه فيها؛ فيكتب قصائد رهيفة تتحدث عن نساء عاشقات وزهور برية وينشرها باسمها في النشرة الدورية للكلية؛ فلم لا تدع يديه ترتعشان، وهما تقتربان من يدها، حين تمسك كراسة المحاضرات منه.
بعد تخرجهما جلست معه في المقهي الذي كان يعرف الكثير عنهما. جلست على المنضدة التي شهدت صمتها، وتواطؤها على مشاعره البكر. ذاكرته تحمل الكثير من لحظات، مرت عليها هي بشكل عابر.
يذكرها حتى بنكتة ساذجة ألقتها. هو يرى كل حركة تأتيها شيئًا عبقريًا. حينما أخبرته على ذات الطاولة، أنها ستتزوج آخر، بكي من أجلها. تخيل أنها مقهورة على أمرها، وأنها مجبرة على هذا الزوج التعس.
كانت تسخر منه داخلها. كان يمكن لها أن تنسحب الآن من علاقة ساذجة، وتبتعد عن رجل لا يمثل لها شيئًا،لكنها ما أغلقت الباب يومًا.
ربما تحتاجه في يوم ما. تركته يصدق تعاستها المصطنعة. هاهما جالسان إلى الطاولة المقابلة للذاكرة.
لا تذكر بالتحديد ماذا قالت له،ولكنها تعمدت أن تُحمِّل صوتها مساحات لازمة من الشجن.
قالت : هو قدرنا .
ومد يدًا؛ ليمسح دمعاتها.
قالت : لا تنسني .
واعتصر قلبه في مواجهة زيفها.
علمها كتابة القصائد. وعدها بإصدار ديوان لها.
قالت : سأعود إن لم أفلح في عشق زوجي.
وقال سأنتظرك، إن لم أفلح في نسيانك.
وقامت لاهية تاركة قلبًا غرًا يحترق.
من للقلب الغر بقدرة على كشف زيف امرأة تجيد الكذب؟!
وفي طوال مشوارها من جانب شجرة كافور في حديقة الجامعة، حتى مقاهي المثقفين، ومجالسهم؛ مرت بمحطات كثيرة.
وجلست ساهمة أمام مَن يتعذبون بمآسيها المتخيلة.
فقط كانت تعرف كيف تسرسب دموعها دمعة دمعة.
لم تسمح يومًا للدموع بالتدفق من عينيها.
فقط تذرف دمعة . دمعتين، ثم تمتد الأيادي بالمناديل . وتهفهف القلوب، وتمتد الأقلام؛ لتمدح ما تكتب.
وحتما لم يخل الأمر من قلوب لم تجلس أمامها، ولم تمتد أيديهم؛ لتمسح دمعاتها المحسوبة بدقة.
فرأى أصحاب هذه القلوب التي لم تتورط بالتعاطف معها كم هي تافهة وسطحية!
واستغلت هي أيضًا ـ كعادتها ـ رأيهم؛ لتبكي أمام المستعدين للوقوع في حبائلها؛ لتَّدعي كم هي مضطهدة ومظلومة!
وأن عشر كتب في سنوات خمس ليست كثيرة على دموع كثيرة ذرفت، ولمسات محسوبة قُدِّمت.
وشهقات في الهواتف التي تحترق تحت وقع نيران كاذبة تُشعل بها الآخر.
عرفت أمها كيف تزرع الألم في عمق روحها.
عرفت كيف تنتزع براءة طفلة صغيرة بقسوة نادرة.
دُرِّبت طوال حياتها على القسوة والصلابة.
انتزعت ما اعتبرته ضعفًا، وروت بدلاً عنه حراشف برية وأشواك.
بكت لها كثيرًا أن تتركها تلعب.
تداعب قطتها.
تضفر شعر عروستها.
ولكنها بذات القسوة تُلقي من يدها بأشيائها الصغيرة وتعنفها. تجلسها صاغرة فوق مكتبها.
تهددها إن لم تذاكر ستضربها.
وكثيرًا ما كانت الفتاة التي لم تكن صغيرة يومًا تبكي في ظلام حجرتها.
وتغافل أمها وترتكب حماقات صغيرة فقط؛ لتنتقم منها .
ولما كبرت دربتها أمها على عرض مفاتنها على الرجال. ومعرفة ما ستبيعه لهم على وجه الدقة .
بعد تركها للشاعر المصدوم الباكي في مقهي الذكريات هناك . ذهبت بصحبة أمها؛لتشتري ملابس الزفاف.
تزوجت بقلب جامد رجلاً تعرف رقم حسابه في البنك. وموديل سيارته الحديثة. وبعد بضع سنوات من فشل وبكاء مكتوم، ماتت أمها.
وتجرأت هي على الوقوف أمامه وطلب الطلاق .
في بيتها القديم، وبين عرائسها المشعثة،وصورها في مريلة المدرسة بحثت في ذاكرتها عن أرقام الأحبة الضائعين. جلست تُرتب في ذهنها من ستلتقطه أولا.
وظهر في الكادر الشاعر المتدفق المشاعر، والعطاءات. حادثته.
رقصت روحه الغرة البريئة أمام صوتها العذب.
ولم تمر ساعات إلا وقد حضر إليها.
بعد رعشة دافقة اجتاحته بمجرد لمسه لأصابعها الرقيقة بدأ يضع لها خطة الانتشار.
ويُرتِّب كيف يصنع منها شاعرة عظيمة.
وفي طريق شهرتها اكتشفت أن شاعرها المتيم لن يحقق لها العالمية التي تطمح إليها؛ فقررت بشجاعة بعد ديوانها الأول تركه.
تحمَّلت حروبه الصغيرة ضدها.
في الحقيقة لم تتحملها؛بل أفادت منها؛ لتجلس أمام آخر تسربت سنون عمره أو كادت.
جلست أمامه، وحكت له عن الحروب التي يشنها عليها شاعرها المصدوم.
تعاطف معها كما عادة كل من يرى عيونها، وهي تفيض بدموع محتبسة.
وبدأ يخطط لها حياتها بدقة رجل خبير عركته السنون . وليس شاعرًا غرًا وعاشقًا.
كثيرة هي السنون التي تقف فاصلاً بينهما.
ولكنه حتمًا فرح بعلاقته بها.
ولم يهتم لتلك الانتقادات التي وجهت له من أصدقائه.
صم أذنيه تمامًا عن سهامهم.
وفقط بحث عن سنين عمره المنسربة في حيوية شبابها.
وهي أجادت تمامًا رسم الخيوط التي تكبله.
وتجعله يقدم لها ما تريد .
أمها عرفت كيف تشكل العالم في عيونها.
عالم من الفوضى.
عليها أن تبحث دومًا عمن يرتب لها فوضى عالمها . وعجوزها ماهر في ترتيب الفوضى.
هناك 23 تعليقًا:
مرعب يا استاذة هويدا
مرعب فعلا وجميل ونابض بالحياة
تسلم ايدك
الجميله هويدا صالح
عودا حميدا ياقمر
اشتقنا لكتاباتك
قصتك مشوقه بحييكي عليها
بخصوص فرق السن بين اي اتنين بيحبوا بعض شوفي هو بيختلف من واحد للتاني ممكن ينجح علاقات و يخاللي علاقات تانيه ماتنجحش
انبسطت ان البطل ماسمعش كلام اللي حواليه لأن ساعات الناس بتحب تهدي النفوس بين اي اتنين بيحبوا بعض عشان يبعدوهم عن بعض
استمتعت بقراءه ماكتبتيه و بحييكي مره تانيه عليه و امنياتي لكي بدوام الابداع ياقمر
بطلتك تجيد التخطيط
تجيد الإنتظار المحسوب كجاسوس كامن ينتظر الوقت المناسب لتنفيذ خطته
وهناك خطط بديلة ..
رااااائعة جدااااااا
هويدا الطيبة ، أبطالك أشرار !!!
النص جميل طبعا ، بس أنا كنت حاسس انك بتجري ، كأن الأفكار مترتبة وعايزه تقوليهم بسرعة . علي مهلك شوية ، سيبيني أعيش اكتر مع كل شخصية ، أتعمق فيها وأتخيلها .
دا مش نقد طبعا ، فلا تباع الميه في حارة السقايين .
بالمناسبة ، هو دا جزء من عشق البنات ، صح .
لك كل تحياتي .
الجميلة جدا هويدا
الف الف الف مبروك علي الطبعة التانية من عمرة الارض .
أنا بكرة هكون فوسط البلد ، ممكن تبعتيلي تليفونك علي الايميل بتاعي وهتصل بك ونظبطها انشاء الله
ايميل هو : ahmedxlatif@yahoo.com
مش معقول !!!
انا اتوهمت
التفاصيل الصغيره للشخصيه رسمتيها بدقه
نفس الحيره اللى بعشقها والحياديه
هي البطله الشريره دي
مجرمه ولا مجرد ضحيه
؟؟؟
مليون تسائل اتفجروا ف الدماغ
وملايين من الذكريات تدافعت علشان أتأملها
حقيقي استمتعت
سلام
متشكر بجد
نهي محمود يا ست البناتيت الحلوين
جميل أن الشخصية عجبتك
اجندا العزيزة
هي نماذج موجودة بأشكال مختلفة
ونسب طبعا
نماذج تتاجر بكل شيئ من أجل تحقيق مصلحة ما
دكتور أسماء
أنت صديقة أصدقائي ويسعدني مرورك وإعجابك بالنص
عله يكون دائما
يا عزيزي أحمد
حين تعود من السفر النسخة بانتظارك
مصطفي العزيز
شكرا لمرورك
ولتقديرك
ايه دا
فى كدا
ايوا فى انا شفت على فكرة كدا لكن انه يتنقل ويتحس بالشكل دا فلا مشفتش على فكرة
بس اللى انا متأكدة منه ان فعلا امهاتنا تشكل لنا مستقبلنا دون ان تدرى ونتصرف نحن بما تم دون ان ندرى سواء كان طيبا او خبيثا
جملة شديدة التأثير "امها ...."
الله يفتح عليكى يا استاذةهويدا
البطلة دى كلنا عارفينها وشوفناها
ربنا معاها ومعانا ومع الراجل المسكين اللى اتدمر بسببها ومع اللى بيدمر دلوقتى بسببها برضه
شريرة صحبتك سهى زكي دي يا هدهودة
شكلها فهمت اللي أنا فهمته
يسعد صباحكم
هويدا
صباحك فل يا ست الكل
فين البوست الجديد ، أم انك أصبحتي امرأة تجيد الانتظار؟؟؟
جميل قوي النص والمدونة ككل
واضح إني حاجي كتير
على فكرة انا عرفت مدونة حضرتك بالصدفة من مدونة صديقة عزيزة
أعجبت بها جدا
أتمنى تشرفيني
سهى يا غاليتي
حتما تعرفينها
ومن في مصر لا يعرفها
وقد صارت وجها مصدرا نيابة عن الثقافة المصرية وكل المثقفين والمثقفات
يعني يا سيدتي الجميلة هي تمثلك خارج مصر
ها ها ها
أحمد عبد اللطيف
يا جميل
عدت من سفرتك
نتقابل الأحد كما اتفقنا
هناك بوست جديد
الق نظرة عليه
ذلك الذي كان يحب الموسيقى وليس حالما تماما
إيزيس
ارحميني من شرك
مصطفي السيد سمير
أيها الجنوبي
مساك جميل
اهلا بك في مدونتي
هل تعرف أننا بلديات يا ابن العم
سلامي
للولدين عمرو السيد
وأحمد الشمسي
عزيزتي هويدا ..
إنت لا تكتبين قصة , إنما ترصدين حياة بتفاصيل تفاصيلها .. تفعلين ذلك ببساطة وبوعي ..
دمت متألقة
رحاب الجميلة صدقيني أنت من الشخصيات المتألقة التي أشكر العالم الافتراضي أن قربني منك
وأتمنى أن تعودي إلى بلدك بسرعة حتى نتقابل
تحياتي لك وللاسرة
توتي..
شفتها صدفة، واتصلت بيا، ودعتني إلى مقابلة، وتطورت إلى علاقة قوية جدا، كنت باكلمها من منزلي لمدة 6 ساعات أو 7 متصلة، وعشت معها حياتها بكل تفاصيلها، حبيت باباها حارس الأهلي المصري زمان جدا، وأخوها الوحيد، ومامتها المصابة بحاجة في الصدر، واختها ، وبنتها الكبيرة المصابة بمرض لايمكن الشفاء النهائي منه، وكنت لها جني المصباح، وكانت كثيرا ما تعبث بي ، وقليلا ما تجود علي بكلمة أو همسة أو لحظة خاصة جدا بالتليفون، حاجة لا يمكن يحسها إلا العاشق اللي عاشها، وبعدين حاولت الملم جراحين وأنا بصدد كتابة رواية باسم" الغادة والزيتون" لأحتكم إلى القارئ فيما جرى، وبريدي farag1230@gmail.com امن يريد مراسلتي أو العليق أو حكاية قصة مشابهة، الحب جميل جميل ، واجمل وأسوأ ما فيه : عذابه، خاصة إذا كنت أنت مخلصا فيه، أنا بانتظاركم.
اصبحت فى النسيان بفقدان من احببت اصبحت عاجز عن الاحلام اصبحت حياتى بلا احلام ولم انسا يوما انى اتلهف رويتها ومصرحتها ولكننى اصبحت عاجز
من انا اكون الان بين هؤلاء هل اكون كالطائر من يشاء ان يصطاده ام اكون الصائد
إرسال تعليق